وصية للحجاج بتعظيم قدر الصلاة
العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بـــــعد :
أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم يطلع على هذه الكلمة بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها ؛ لأنها الركن الأعظم بعد الشهادتين ، ولأنها عمود الإسلام ، ولأنها أول شيء يحاسب عنه المسلم من عمله يوم القيامة ، ولأن من تركها فقد كفر ؛ قال الله سبحانه وتعالى : سورة النور الآية 56 وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال عز وجل : "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ سورة البقرة الآية 238 وقال جل شأنه : "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" سورة المؤمنون الآية 1 "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" سورة المؤمنون الآية 2 إلى أن قال سبحانه:" وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ": سورة المؤمنون الآية 9 "أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ" سورة المؤمنون الآية 10 "الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" سورة المؤمنون الآية 11
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي في ( الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) . خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح ،
وخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف" رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6540) .
قال بعض أهل العلم في شرح هذا الحديث: وإنما يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إما أن يضيعها تشاغلا بالرياسة والملك والزعامة، فيكون شبيها بفرعون ، وإما أن يضيعها تشاغلا بأعمال الوزارة والوظيفة، فيكون شبيها بهامان وزير فرعون ، وإما أن يضيعها تشاغلا بالشهوات وحب المال والتكبر على الفقراء، فيكون شبيها بقارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، وإما أن يضيعها تشاغلا بالتجارة والمعاملات الدنيوية، فيكون شبيها بأبي بن خلف تاجر كفار مكة ، فنسأل الله العافية من مشابهة أعدائه .
ومن أهم أركان الصلاة التي يجب على المسلم رعايتها والعناية بها الطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، وكثير من الناس يصلي صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها، ولا شك أن الطمأنينة من أهم أركان الصلاة، فمن لم يطمئن في صلاته فهي باطلة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى في ركوعه وأمكن يديه من ركبتيه وهصر ظهره وجعل رأسه حياله، ولم يرفع رأسه حتى يعود كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا جلس اطمأن في سجوده حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا جلس بين السجدتين اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ولما رأى صلى الله عليه وسلم بعض الناس لا يطمئن في صلاته أمره بالإعادة، وقال له: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها . : رواه البخاري في (الاستئذان) باب من رد فقال: عليك السلام . برقم (6251) ، ومسلم في ( الصلاة) باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم (397).
فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الواجب على المسلم أن يعظم هذه الصلاة ويعتني بها ويطمئن فيها حتى يؤديها على الوجه الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وينبغي أن تكون الصلاة للمؤمن راحة قلب ، ونعيم روح ، وقرة عين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" : رواه الإمام أحمد في ( باقي مسند المكثرين من الصحابة) مسند أنس بن مالك برقم (11884) ، والنسائي في (عشرة النساء) باب حب النساء برقم (3940) .
ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله، كما قال عز وجل :"وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ" سورة البقرة الآية 43 وقال سبحانه في صلاة الخوف : "وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ الآية . سورة النساء الآية 102. فأوجب الله سبحانه على المسلمين أداء الصلاة في الجماعة في حال الخوف، فيكون وجوبها عليهم في حال الأمن أشد وآكد. وتدل الآية المذكورة على وجوب الإعداد للعدو والحذر من مكائده، كما قال سبحانه :"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الآية".سورة الأنفال الآية 60
فالإسلام دين العزة والكرامة والقوة والحذر والجهاد الصادق، كما أنه دين الرحمة والإحسان والأخلاق الكريمة والصفات الحميدة. ولما جمع سلفنا الصالح بين هذه الأمور مكن الله لهم في الأرض ورفع شأنهم، وملكهم رقاب أعدائهم، وجعل لهم السيادة والقيادة، فلما غير من بعدهم غير الله عليهم، كما قال عز وجل : "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" سورة الرعد الآية 11.
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار . رواه البخاري في (الخصومات) باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت برقم ( 2420) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651) ، وأبو داود في (الصلاة) باب في التشديد في ترك الجماعة برقم (548) واللفظ له .
وقال عليه الصلاة والسلام :"من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ". رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة برقم (793 ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ، إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي، قال: هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال نعم ، قال: فأجب" رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداءبرقم(653).
المرجع:
مقال قيّم نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) السنة الحادية عشرة ،العدد (الثاني) غرة ذي الحجة عام 1398 هـ