بسم الله الرحمن الرحيم
إن من علامات حمل المؤمن لِهمّ الدعوة أن يقوم بنشرها ويعمل على هداية الناس بها .. وتذكير من نسي منهم ..
والذكر شيء من هذا .. فجميل أن نذكر أنفسنا بالأدعية المأثورة .. أو نقول لأنفسنا ولمن حضر مجلسنا اذكروا الله
كم تأتي تلك الكلمة بالأجر على قائلها إن أحسن النية وأحسن الوسيلة
وحسن الوسيلة هو شغلنا في هذا المقال
فلا أظن أحدا يدعو الناس للخير والذكر والدعاء إلا وقلبه يحمل النية الصادقة إن شاء الله
وأما الوسيلة فاختلف فيها الناس .. ما بين مصيب كبد الصواب .. وما بين حائد عنه حيادا غير مقصود - غالبا
وقد يكون لقلة العارفين أو حتى الناصحين تأثير في هذا الجانب
فلو تواجدوا لانجلت تلك الوسائل بإذن الله
وأحسبني كنت من الناصحين وما رأيت من المنصوحين إلا كل خير ورحابة صدر .. ولكن لما قيل أننا نتعامل بآراء شخصية
جاءني اعتقاد يوجب علي أن أبين أن ما قلت ليس عن رأي ولا عن هوى .. إنما عن دراية وتعلم بإذن الله
كلامي صببته في وعاء كيف سندعو الناس للذكر دون أن نخالف الشرع
وأرى مهما أن أذكر الأمثلة التي تحيد بنا عن هذا العنوان لنصل في النهاية إلى شاطئنا المنشود بسلام إن شاء الله
الأمثلة تقول :
يكتب آيات قرآنية أو عدة أذكار لا يوجد فيها أخطاء
1 – لغز يقول لك تمعن جيدا واكتشف الخطأ :
ثم يكتب في نهايتها لا يوجد أخطاء لكنني جعلتك تذكر الله
ليقال لك في آخرها أرأيت كيف جعلتك تذكر الله 2 – قصة قصيرة عن شخص كان يذكر الله ثم لا تجدها قصة
ثم يقال لك في ختامها هذا كان فقط لتذكر الله
3 – نكتة عن موقف معين تحتوي على أذكار
4- رابط يقول : امح ذنوبك في دقيقتين .. عندما تفتحه تأتيك مئة نقرة لا يمكنك أن تخرج من الموضوع إلا بأن تنقرها على زر الفأرة وفيها عدة أذكار تقول لك اقرأ الذكر الفلاني قم تنقر ويأتيك الذي بعده وهكذا .. لا تنتهي حتى تنقر المئة نقرة
ولكن في ختامه كتب صاحبه : أستحلفك بالله أن تنشرها لكل من في قائمتك وهذه أمانة في عنقك
هذه الأمثلة وغيرها تحتوي على كثير من المخالفات الشرعية وسأبينها إن شاء الله بقدر المستطاع مع الأدلة حتى لا يقال أنه رأي شخصي
5 – موضوع ممتاز جدا وشيق ولنفترض أنه تفسير سورة البقرة مثلا
المخالفات أو الأخطاء التي يقع فيها أصحاب هذه الرسائل :
فالشخص الذي يقرأ هذه القصة أو النكتة أو اللغز لم يقرأها إلا لأنها قصة .. أو لأنه لغز .. ولم يكن قد استحضر نية الذكر في قلبه 1 – خلوها من النية عند القارئ :
وغياب النية يمنع المرء من أن يؤجر على عمله الصالح
فمن كانت قراءته لقصة يقرؤها أو للغز يحله .. فقراءته لما قرأ لا يزيد عن ذلك قطرة
ومصداق ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعا : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
ما يقوم به القارئ هو قراءة قلبية .. أي دون تحريك اللسان .. فكل من يقرأ على صفحات المواقع يقرأ بصمت ولا يقرأ جهرا إلا إذا دعت حاجة لذلك
– خلوه من الذكر الفعلي :
وعدم تحريك اللسان في الذكر لا يعد ذكرا ولا يحصل به أجر الذكر إنما يكون تفكرا
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم لما كان يأتيه جبريل بالقرآن كان يقرؤه محركا لسانه مستعجلا إكمال الآية فقال الله : " لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ "
أي نهاه عن العجلة .. لكن الشاهد هنا أنه كان يحرك لسانه عند القراءة
وفي تفسير ابن كثير :
( هذا تعليم من الله لرسوله صلى الله عليه و سلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه )
ونقل ابن رشد في "البيان والتحصيل" (1/490) عن الإمام مالك رحمه الله أنه سئل عن الذي يقرأ في الصلاة ، لا يُسْمِعُ أحداً ولا نفسَه ، ولا يحرك به لساناً . فقال :
" ليست هذه قراءة ، وإنما القراءة ما حرك له اللسان " انتهى.
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (4/118) :
" القراءة لا تكون إلا بتحريك اللسان بالحروف ، ألا ترى أن المصلي القادر على القراءة إذا لم يحرك لسانه بالحروف لا تجوز صلاته . وكذا لو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها وفهمها ولم يحرك لسانه لم يحنث " انتهى .
وهذه نقطة خطيرة جدا .. فلو تعاملنا مع تعاليم الدين على أنها نكتة أو لغز أو لعبة نلعبها فهذه تدق على صاحبها ناقوس خطر يجب أن ينتبه له أشد انتباه .. لأنه يوقعه في مخالفة شرعية عظيمة 3 – تقليل شأن تعاليم الدين :
رغم أن الذي يفعلها لا يقصد أن يهزأ أو يستسخر ولكن الأمر جد خطير
فقد قال رب العزة فيمن يهزأ بالدين : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ )
فلو جئنا للقصة مثلا .. هي قصة مختلقة وغير صحيحة ينشرها صاحبها معطيا للقارئ جزما بأنها حقيقية وواقعية فيقرأ القارئ ليحصل منها على فائدة مرجوة .. ثم لا يجدها قصة ويرى أنها مجرد كذبة .. 4 – الكذب :
وكذلك الأمر بالنسبة للغز فالإنسان يدقق جيدا في الكلام وقد يطيل لكنه لا يجد اختلافا ثم يقال له أنه فعلا لا يوجد اختلاف .. قد لا يشك بالنية لكن هذا لا يمنعه من الانزعاج من الأسلوب الذي قد يقودنا للمخالفة الخامسة
احتواء المواضيع على الكذب وتكرر هذا من نفس الشخص قد يغيّب الثقة في مواضيعه .. فإذا رأى الأعضاء اسمه قالوا لن تكون إلا قصة مزورة كسابقتها لا عمل لها إلا أن تسرق منا وقتنا.. 5 – غياب الثقة :
وهذا متعلق بالمثال الرابع ففيه الآتي : 6 - التنفير :
أولا :
هذه الطريقة فيها إجبار على النقر ولن تذهب المربعات حتى تنقر عليها - وهي كثيرة جدا - وهذا قد يؤدي إلى غضب الشخص الذي يفتح الرابط خاصة إن كان مشغولا أو يسجل شيئا أو غيرها فنحن هنا أفسدنا عليه عمله وقد يزل لسانه فيشتم في لحظة غضب وديننا يأبى ذلك .. فنحن نريد الطرق التي يتقبلها المجتمع لا التي تنفرهم من الدعوة .. وبناء عليه فإن هناك طرقا ألين وأيسر في الدعوة
ثانيا :
هذا الكلام فيه تواكل لأنه يوحي لك بأن ترتكب الذنوب كما تشاء والمحو موجود
كأنما يقول لك أذنب ثم استغفر ففي الأمر تهوين للمعاصي
كما أن الأمر يلزمه إخلاص
فليس الأمر مجرد ترديد
فمثلا : شخص قالها بإخلاص وحسن نية متمعنا في معاني التسبيح
وشخص قالها مجرد ترديد بلسان دون حتى أن يعيرها شيئا من التفكير
فهل بعقل عاقل يستوي الاثنان ؟
ثم إن الكبائر لا تُمحا بالذكر فقط وإن كان الذكر وسيلة تعين على ذلك لكن لا بد للكبائر من توبة
يزداد الأمر سوءا إذا كتب صاحب الموضوع في نهايته أستحلفك بالله أن تنشره لكل من عندك وإذا لم تفعل فالشيطان هو الذي يأمرك .. إلخ 8 - الإجبار والاستحلاف وتعليق الأمانة في الأعناق :
وهذا فيه إلزام للناس بما لم يلزمهم به الله .. فالنشر فيه أجر نعم لكنه ليس بفرض ولا واجب إنما هو سنة فلا يحق لأحد أن يرفعها إلى مرتبة الفرض بالاستحلاف
قال الشيخ عبد الرحمن السحيم :
ولا يَجوز إلْزَام الناس بما لَم يُلزِمهم به الله ورسوله صلى الله عليه و سلم
كأن يُقال : أستحْلِفُك بالله أن ترسلها .. أو أمانة في عُنُقك .. ونحو ذلك .
كلّ هذا لا يَجوز لِما فيه مِن إلْزَام الناس بما ليس بِلازِم .
والناس في سَعة مِن أمْرِهم فَلِماذا يُضيَّق عليهم ؟
ومن هذا الباب جاء الـنَّهْي عن الـنَّذْر ، لِمَا فيه مِن إلْزَام الإنسان
نفسه بما ليس بِلازم .
والله تعالى أعلم . انتهى.
قال عليه الصلاة والسلام : ( ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ) 9 – دعوة الناس لغير الخير :
وهذا أمر مهم وقضية حساسة
لأن الناس التي ستقرأ الموضوع ستنشره وتقع في نفس المخالفات
وسبق وأن قلنا أن ناشر هذه المواضيع يحسن النية ويخالف في الأسلوب عن جهالة وقلة معرفة وليس عن قصد وعمد ..
ولكنه مع هذا لن يكون معافى من التحري والتبيّن وسؤال أهل العلم ..
فإن لم يكن ذلك فإذا علم بالمنكر انتهى عنه مباشرة وحذر الناس منه ليكفر عن خطئه ولا يتمادى فالتمادي يجر لما هو أسوأ .. والحدث هنا ليس سنة دراسية تعاد بل هي حياة واحدة وميتة واحدة
ونسأل الله السداد والقبول
بعض الناس يظن أن الدعوة لدين الله حتى لو كانت بأسلوب مخالف للشرع ستكون أفضل من عدم الدعوة نهائيا 10 – أفضل من غيره :
ولكن أنا أقول هنا لو أننا لم ندع إلى الخير وبقينا بصمتنا لكان خيرا لنا من أن ندعو للخير بطريقة شر تعود علينا بالإثم
ولا شك أن هذه الكلمة تجر صاحبها لما هو أكبر فعندما يتعامل المرء مع المنكر على أنه هين سهل ..
أو على أن المنكر القليل لو دخلت مع الخير فلن يؤدي إلى شيء
فهذا شيء مروع ينذر بفهم خاطئ وجرم فادح
فالخير إذا شابه شر قد يمحق الشر الخير محقا ولا يبقي له كيانا ولا معلما
ومثال ذلك لو أن رجلا تصدق ابتغاء وجه الله ثم رأى جمعا من الناس فأراد المباهاة فزاد مقدار المال
فهنا هو غير مأجور وكل ما يدفعه رياء
ومن الشر ما لا يبطل الخير ولكنه يعود على صاحبه بوزر دون أن يحبط العمل كله ومثل ذلك البدع كأن يزيد المرء ذكرا معينا يضيفه لأذكار الصباح والمساء يلتزمه ..
هذا لا يبطل كل الأذكار ولكن عليه وزر البدعة إن جعله ذكرا لازما في ذاك الوقت
هكذا عند الجمهور
وبعضهم اختار أن السيئات تحبط الحسنات مستدلين بعدة أدلة منها قول عائشة رضي الله عنها على لسان النبي عليه الصلاة والسلام : ( أبلغي زيدا أنه أحبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن يتوب )
وعليه إذا بقينا نفهم المنكر على أنه صغير لا يؤثر فإن هذا يعني أن المنكر سيتعاظم في كفة قد ترجح على كفة التقوى والإيمان يوما ما - لا قدر الله
وهذا ما لا نتمناها
وخلاصة كل قولنا يدل على شرطي قبول العبادة وهما :
1 – النية الخالصة لله جل وعلا 2 – موافقة الشرع
وأرى خيرا أن أختم بمقولة رائعة للإمام ابن القيم يقول فيها : " ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه "