الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
استنفار الهمم للعمل لدين الله في هذه المرحلة الحرجة من عمر الأمة، لا سيما وأننا نواجه عدوًّا يريد أن يعبث بهوية الأمة الإسلامية.
المقدمة:
-بيان خطورة المرحلة، واشتداد أهل الباطل "العلمانيين - الليبراليين - غيرهم.. "، في سبيل باطلهم، في الوقت الذي لا يزال كثير من إخواننا خاملون نائمون مقصرون في العمل لنصرة الحق(1).
- كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يتألم من ذلك ويأسى قائلاً: "عجبت لجلد الفاجر، وعجز الثقة".
- وكان يهتم بأمور الدين كلها، ولا يستصغر أو يقلل من شأن بعضها، و"كان عمر -رضي الله عنه- يأخذ الطلاء وينزل تحت البعير الأجرب يطليه ويقول: "إني أخشى أن أسأل عنك يوم القيامة".
"وكان يمر بالراعي في السفر في الأرض الجدبة، فينزل عن ركبه وينادي: يا راعي الغنم، ارع في أرض كذا فإنها أخصب"(2).
1- هم العمل للدين دليل الانتماء:
- أول تكليف في الإسلام: العمل للإسلام: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:1-2].
- انتساب بلا عمل مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
- السلف خير من فهم القضية، الصِّدِّيق يحمل هم الدين من أول يوم، فيسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين.
- حملوا الدين إلى كل مكان، ففي حديث الأعرابي الذي جاء يسأل: "يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ" (رواه مسلم).
- أمم أسلمت بعملهم وحملهم هم الدين: "قصة إسلام أبي ذر وقبيلته - قصة إسلام الطفيل بن عمرو وقبيلته".
2- هم الدين أهم قضية عند الصادقين:
إن أشد ما يحزن قلوب الصادقين ضياع أو فساد شيء من الدين "قائمة اهتمامات أولها: الدين".
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يحزن ويكاد يموت همًّا، قال -تعالى-: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6].
- موسى -عليه السلام- يبكي.. فهل بكيت يومًا؛ لقلة عملك في الإسلام؟
ففي حديث الإسراء: (أَبْكِي لأَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي) [متفق عليه].
- يبذلون ما يملكون حتى لا ينقص الدين، موقف أبي بكر -رضي الله عنه- مع المرتدين ومانعي الزكاة: "وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ" (متفق عليه)، وقال: "أينقص الدين وأنا حي؟!".
- يحزنون لتخلفهم عن الخير بسبب عجزهم، قال -جل وعلا-: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92].
3- الهروب من العمل للدين سلوك أهل النفاق والكذابين:
- كثرة الكلام وقلة الأفعال، قال -عز وجل-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة:246].
- كثرة الاعتذارات هروبًا، قال -تبارك وتعالى-:{وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا} [الأحزاب:13] (3).
- اختلاق المشاكل للهروب، قال -جل وعلا-: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران:166-167].
4- شبهات عند بعض المقصرين:
1- "أنا واحد وتخلفي لا يؤثر":
والجواب: لو لم يكن لك تأثير؛ لما عاقب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة المتخلفين يوم "مؤتة" من جيش عدده عشرة آلاف.
2- "ليس هذا من وظيفتي" -في وقت لا يوجد غيره-:
الجواب: وهل كان خالد بن الوليد -رضي الله عنه- هو القائد المعين يوم "مؤتة"؟! لكن لما قتل المعينون؛ كان الاكتشاف العظيم لطاقة قيادية وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بـ"سيف من سيوف الله".
3- "لا أعمل تحت من هو أقل كفاءة مني":
الجواب: لقد كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- جنديًّا في جيش أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- فضلاً عن سائر الصحابة الأبطال، ثم إن هذا قادح في الإخلاص، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه ، مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع» [رواه البخاري].
4- "ظروفي المادية والاجتماعية":
الجواب: لا مانع لكن إذا كان لا بد من ضياع أحد أمرين: "أمر ديني - شيء من المال"؛ فليقدم أمر الدين حفظًا، أين نحن من تضحيات الصحابة؟!
5- "ظروفي النفسية":
الجواب: هل وصلت المعاناة مثل معاناة يوسف -عليه السلام- ومع ذلك يقوم بواجب الدعوة إلى الله -تعالى-: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39].
6- "لا أعمل إلا مع الشيخ الكبير":
الجواب: لقد مات أعظم الشيوخ واستمر الإسلام، "مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ" (رواه البخاري).
وقال الأنصاري يوم "أحد": "إن كان محمد قد قتل فقد بلغ، فقوموا فقاتلوا عن دينكم".
5- رجال صدقوا:
لقد ظل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يعملون للإسلام إلى آخر لحظات أعمارهم، وكذلك الصادقون، قال -عز وجل-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].
- أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- ابن الثمانين يموت على أسوار "القسطنطينية"، وكان يقول: قال الله: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} [التوبة:42]، ولا أجدني إلا خفيفًا أو ثقيلاً.
- عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو على فراش الموت يحمل هم الدين: "الصلاة.. لا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة".
- أكثر الصحابة ماتوا خارج "مكة" و"المدينة" في أثناء خدمتهم للإسلام.
6- كلمة ختام.. مَن يحمل هم الإسلام؟! من يكلأ الإسلام من هجمة الأعداء؟!
نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- في إحدى أسفاره بالجيش، وكان يخشى حضور العدو فقال: «من رجل يكلؤنا !»
قَالَ: فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار [رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود وحسنه الألباني].
واعلم أن: العمل للدين واجب على المسلمين جميعًا؛ صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، كل بحسب استطاعته، وليس كما يظن البعض أنه واجب فقط على شباب الصحوة أو الإخوة أو من يوصفوا بالالتزام أو الشيوخ أو القدوات، وإن كان في حق هؤلاء أوجب، والمنتظر منهم أكبر.
إخواني.. مضى زمان الراحة، وأقبل زمان العمل، فمن يحمل هم الإسلام؟!
مَن يسهر لحماية الإسلام؟!
ورحم الله شاعر المجاهدين يوم دخل الطبيب عليه، وقد كُبل بالأجهزة الطبية يسأل: هل استراح؟! فأنشد قائلاً:
كـلا رويـدك يـا طبيـب *** وقد سألتَ: أما اسـتـراح؟
هل يستريح الحر يوقد *** صــدره الـعـبء الــرزاح؟
نسأل الله أن يستعملنا وإياكم في خدمة دينه، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا مانع من أن يضرب الخطيب أمثالاً: (اعتذارات دائمة - تسويف الأعمال - انشغال غالب بالدنيا - .. ).
(2) يشير الخطيب من خلال ذلك إلى أحوال كثير من الإخوة المضيعين لأمور يكلفون بها بحجة أنها "أمور بسيطة"!
(3) إشارة إلى حال كثير من الناس قبل الثورة ممن كان ينكر على الدعاة والمشايخ: "إلى متى سنظل هكذا؟!" ثم لما جاء العمل أين هو...؟!